امام وخطيب صلاة الجمعة في العاصمة السويدية ستوكهولم: اشتهر الامام موسى بن جعفر (ع) بالكاظم الغيظ لشدة حلمه وبالعابد والتقي وباب الحوائج الى الله سبحانه وتعالى .

أُقيمت صلاة الجمعة في عاصمة مملكة السويد ستوكهولم بإمامة سماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ مجتبى الجعفري الاراكي في مصلى مركز الإمام علي ( عليه السلام )  الاسلامي .. .. وذلك يوم الجمعة المصادف 21 أبريل - نيسان 2017 الموافق 23 رجب المعظم 1438 هجرية . 
 
 
 
 
 
 
أكد سماحته في خطبة الصلاة الأولى على تقوى الله سبحانه وتعالى لأن الانسان لا ينجو الا بتقوى الله ( عز وجل ) .. .. يقول الله تعالى :
 
 بسم الله الرحمن الرحيم
"ياأيها الذين أمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وأنتم مسلمون" ال عمران / 102
 
 طبقا لسلسلة احاديث امير المؤمنين ( عليه السلام ) في وصف المتقين:
 
قال الامام أمير المؤمنين و امام المتقين علي ( عليه السلام ) في خطبة المتقين وفي ذكر صفات المتقين : (غائبا منكره – حاضرا معروفه).
 
 من صفات المتقين أنهم مواقع للطاعات وأعمال الخير والصلاح ولاتجد في حياتهم أي حضور للمنكر وأعمال الشر والفساد . 
 
غائبا منكره : أي لاتصدر منه أعمال قبيحة ومنكرة أو أي سلوك فيه ايذاء للاخرين . . . حاضرا معروفه : أي يمارس الاعمال الصالحة دائما . 
 
فان الامام علي ( عليه السلام ) عبر عن عدم ارتكاب المتقي المنكر بأنه غائبا عنها – وعن اتيان الاعمال الصالحة بالحاضر أي له حضور في الاعمال الصالحة ... بمعنى ان ملكة التقوى الحاصلة في نفوسهم تمنعهم من اتيان الاعمال المنكرة – ولا حضور لهم في هذه الاجواء – بل حضورهم مسجل فيما يتعلق بالاعمال الصالحة .
 
وفي كلام الامام علي ( عليه السلام ) : حاضرا معروفه :
 
المعروف من العرفان – والمنكر من مادة الانكار ... يقول الراغب الاصفهاني : المعروف , اسم لكل فعل حسن شرعا وعقلا .. . والمنكر , اسم لكل فعل قبيح وسيء شرعا وعقلا .
 
الاشارة الى المعروف كثيرة في الايات والاحاديث : ( فاتباع بالمعروف – متاع بالمعروف – فامساك بمعروف – تأمرون بالمعروف .. . وغيرها من الايات ) .
 
فالمعروف من المصطلحات الشائعة في المعارف الدينية والاسلامية .. وأما في الاحاديث : ففي حديث عيسى بن مريم الى الحواريين ( استكثروا من الشيء الذي لاتأكله النار قالوا : وماهو ؟ قال : المعروف ) .. . وفي عبارة أخرى قال الامام علي ( عليه السلام ) : عليكم بصنايع المعروف فانها نعم الزاد الى المعاد .
 
وأيضا عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : أول من يدخل الجنة أهل المعروف .. وعن الامام الحسين ( عليه السلام ) : عندما قال رجل : ان المعروف اذا أسدي الى أهله ضاع : ليس كذلك , ولكن تكون الصنيعة ( عمل المعروف مثل وابل ( نزول ) المطر تصيب البر والفاجر .
 
فلاشك أن المعروف والعمل الصالح لايضيع عند الله حتى لو كان بالنسبة الى من ليس له أهلية المعروف ... ففي الكافي – عن مصادف : كنت مع أبي عبدالله ( عليه السلام ) بين مكة والمدينة , فمررنا على رجل في أصل شجرة وقد القى نفسه ( أي كان نائما تحت شجرة ) فقال : مل بنا ( أي من الميل عن الطريق ) الى هذا الرجل فاني أخاف أن يكون قد أصابه عطش .. فملنا , فاذا رجل من الفراسين ( القراشين ) طويل الشعر فسأله أعطشان أنت ؟ فقال : نعم . فقال لي : انزل يا مصادف فأسقه , فنزلت وسقيته ثم ركبت وسرنا . فقلت : هذا نصراني , فتتصدق على نصراني ؟ فقال : نعم اذا كانوا في مثل هذا الحال .
واسترسل سماحته قائلا:
 
هناك ملاحظات من مجموع ماهو مأثور عن لسان المعصومين (عليهم السلام):
 
أولا :  أن لايكون عمل المعروف ملحوقا بالمنة ... وأساسا عمل المعروف ملكة ترك المنة – فانها موجبة لابطال العمل كما قال تعالى ( لاتبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى ) .
 
 فعن الامام علي ( عليه السلام ) : 
 
أحيوا المعروف باماتته فان المنة تهدم الصنيعة ( أي عمل الخير ) . 
 
 ثانيا : اتمام العمل وعدم تركه قبل اكماله . ( غرر الحكمة : جمال المعروف اتمامه )
 
 و ( رحم الله امرء عمل عملا فأتقنه ) . 
 
ثالثا : عدم تحقير العمل وان كان صغيرا أو قليلا .. .
 
 عن رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) : دخل عبد الجنة بغصن من شوك كان على طريق المسلمين فأماطه عنه . 
 
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المتقين – وأن نكون مصداقا لما قاله علي ( عليه السلام ) أي غائبا منكره – حاضرا معروفه . 
 
 
 
 
 
 
 
 
في الخطبة الثانية لصلاة الجمعة :
 
 استنكر سماحة امام وخطيب صلاة الجمعة التفجيرات الارهابية الاخيرة التي استهدفت أهالي فوعه و كفريا في سوريا قائلا من المؤسف أن التكفيريين والمجرمين الدواعش قاموا مرة اخرى بارتكاب جريمة وحشية وعملية ارهابية معادية للانسانية حيث قتلوا المئات من الاطفال والنساء العزل المظلومين من شيعة سوريا .. هذا في حين أنه وبعد أشهر من الجهود المبذولة لانقاذ المدنيين من الاطفال والنساء تم التوصل الى اتفاق لخروج الاهالي من فوعه وكفريا الا ان المجرمين التكفيريين وكما في جرائمهم المسبقة لم يرحموا النساء والاطفال والجياع العزل وقتلوا وجرحوا بجريمتهم الشيطانية الجبانة المئات من الابرياء . 
ان هذا التفجير الوحشي الذي استهدف أهالي فوعه وكفريا يستهدف الجميع .
 
 اننا أمام عصابات اجرامية هدفها القتل والدمار والخراب والفتنة وتفكيك المجتمعات . . . ونحن نستنكر ونشجب بشدة هذه الجريمة التي ارتكبها هؤلاء التكفيريين .
 
وفي الصعيد نفسه دعا سماحته الاحرار في العالم من المسلمين و المجتمع الدولي الى القيام بخطوة عملية ضد هذه الجرائم لكي يتم اقتلاع جذور التكفيريين الفاسدين بأسرع ما يمكن . 
 
  وأضاف سماحته مستعرضا بعض أحداث شهر رجب المعظم :
 
ففي هذه الايام تمرعلينا ذكرى استشهاد الامام موسى بن جعفر ( عليه السلام ) المعروف بالكاظم الغيظ سابع أئمة المسلمين بعد رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) وأحد أعلام الهداية الربانية في دنيا الاسلام وشمس من شموس المعرفة في دنيا البشرية التي لازالت تشع نورا وبهاء في هذا الوجود . 
 
فانه من العترة الطاهرة الذين قرنهم الرسول الاعظم ( صلى الله عليه واله ) بمحكم التنزيل حينما قال : ( اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) وجعلهم قدوة لاولي الالباب وسفنا للنجاة وأمنا للعباد وأركانا للبلاد . 
 
ولد الامام موسى بن جعفر ( عليه السلام ) في نهاية العهد الاموي سنة 128 هجرية وعاصر بدايات نشوء الحكم العباسي الذي استولى على القيادة في العالم الاسلامي تحت شعار { الرضى من ال محمد ( صلى الله عليه واله ) } . . . عاش في ظل أبيه الامام الصادق ( عليه السلام ) عقدين من عمره المبارك وتفيأ بظلال علوم والده الكريم ومدرستة الربانية . 
 
فعاصر حكم السفاح والمنصور الذي اغتال أباه في الخامس والعشرين من شهر شوال 148 هجرية وتصدى لمنصب الامامة بعد أبيه الامام الصادق ( عليه السلام ) في ظروف حرجة كان يخشى فيها على حياته . 
 
لقد عاش الامام موسى الكاظم ( عليه السلام ) ثلاث عقود من عمره المبارك أيام الحكم العباسي . . . وعانى من الضغوط في عقده الاخير قل ما عاناه أحد من أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) من ظلم الامويين , من حيث السجن المستمر والظلامات المتتالية عليهم بأسم الله ورسوله . 
 
وقد روي أن هارون الرشيد خاطب الرسول الاعظم معتذرا في اعتقال سبطه موسى بن جعفر ( عليه السلام ) زاعما أن وجوده بين ظهراني الامة سبب للفرقة . 
 
ولقد سار الامام موسى الكاظم ( عليه السلام ) على منهاج جده رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) وابائه المعصومين ( عليهم السلام ) في الاهتمام بشؤون الرسالة الالهية وصيانتها من الضياع والتحريف .. وكانت مدرسته العلمية زاخرة بالعلماء وطلاب المعرفة وتتلمذ على يديه الفطاحل من العلماء والمجتهدين للعلوم الاسلامية والانسانية .
 
واشتهر الامام موسى بصفة ( كاظم الغيظ ) لشدة حلمه وبالعابد والتقي وباب الحوائج الى الله سبحانه وتعالى . 
 
 
 
 
 
 
 
ومن مواعظ الامام موسى بن جعفر ( عليه السلام ) : 
 
قال : قل الحق وان كان فيه هلاكك فان فيه نجاتك ودع الباطل وان كان فيه نجاتك فان فيه هلاكك. 
 
وقال رجل سألته ( عليه السلام ) عن اليقين ؟ فقال ( عليه السلام ) : يتوكل على الله ويسلم لله ويرضى بقضاء الله , يفوض الى الله .     
 
وقال الامام الكاظم ( عليه السلام ) : ينادي مناد يوم القيامة : 
 
الا من كان له أجر على الله فليقم , فلا يقوم الا من عفا وأصلح فأجره على الله . 
 
لقد بقي هذه الامام العظيم ثابتا مقاوما على خط الرسالة والعقيدة لاتأخذه في الله لومة لائم حتى قضى نحبه مسموما شهيدا محتسبا بأمر من هارون الرشيد وعلى يد السندي بن شاهك . . . فسلام عليه يوم ولد ويوم جاهد في سبيل الله ويوم استشهد ويوم يبعث حيا . 
 
وفي نهاية الصلاة ابتهل المصلون الى الباري عز وجل بأن يعجل في فرج مولانا الإمام المنتظر أرواحنا لتراب مقدمه الفداء و يحفظ مراجعنا العظام وعلمائنا الاعلام ويوحد كلمة المسلمين وأن يرحم شهدائنا وينصر حشدنا المقدس .
 
ومن الجدير بالذكر إن صلاة الجمعة تقام كل اسبوع في مركز الامام علي ( عليه السلام ) الاسلامي في عاصمة مملكة السويد ستوكهولم .
 
 
 
السويد – ستوكهولم – أحمد الناجي 
 
 
 
---
تم النشر: 25-04-2017